جريمة القرصنة البحرية .. مكافحتها وآثارها الاقتصادية د. محمد عرفة

لقد تزايدت عمليات القرصنة البحرية في الآونة الأخيرة في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية، وكان آخر تلك الأعمال استيلاء القراصنة الصوماليين على ناقلة البترول السعودية، التي تُعد أضخم ناقلة للبترول في العالم، ثم أعقب ذلك الاستيلاء على سفينة أخرى، الأمر الذي سبب قلقاً دولياً حول أمن الملاحة في المنطقة جراء تصاعد تلك العمليات التي يُمكن تصنيفها ضمن منظومة الجرائم الإرهابية أو الجرائم المنظمة عبر الدول. يذكر أن المكتب البحري الدولي قد سجل 114 حادثة قرصنة بحرية عبر العالم خلال النصف الأول من العام الحالي 2008؛ فيما شهد العام الماضي اختطاف 44 سفينة بحرية. الواقع أن العدالة الدولية الغائبة سبب أصيل لأزمة القراصنة، فهشاشة الوضع الأمني في الصومال، وعدم وجود استراتيجية عربية أو إفريقية أو عالمية لحل مشكلة القراصنة، كانت وراء انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها. تبدو خطورة أعمال القرصنة البحرية في أنها تركزت في الأيام الأخيرة قبالة السواحل الصومالية التي تمتد مسافة طويلة تبلغ نحو 1880 ميلاً بحرياً تقريبا، أي نحو 3700 كيلو متر، وهي من السواحل الأطول في إفريقيا، بل في العالم، وتقع بالقرب من طرق الشحن الرئيسة، التي تربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، وهي منطقة حيوية للملاحة البحرية؛ إذ تشق نحو 16 ألف سفينة سنوياً مياه خليج عدن الذي يعدّ، مثل قناة السويس، واحداً من أهمّ معابر التجارة الدولية. ولا مراء في أن مكافحة تلك العمليات ليست أمرا سهلاً؛ إذ يرى البعض ضرورة وجود قوات عسكرية لحماية السفن والناقلات من الاعتداءات المتكررة للقراصنة والتدخل في حالات احتجازهم الرهائن، وهذا يتطلب تجهيز قوات بحرية أو شرطة بحرية ضخمة على امتداد تلك الشواطئ، ما يقتضي نفقات ضخمة، لا يسهل على دولة واحدة القيام بها، بل يقتضي الأمر التعاون والتضامن بين مختلف الدول، وهناك مساع حثيثة من الدول الأوروبية ومن جامعة الدول العربية نحو تفعيل هذا التوجه. أرى أن مكافحة عمليات القرصنة البحرية تتطلب من ناحية أولى، وضع استراتيجية عسكرية تتضمن إعداد قوات دولية جاهزة ومدربة لقمع القراصنة، كما تتطلب من ناحية أخرى، وضع استراتيجية للتفاوض معهم في حال استيلائهم على الضحايا؛ ذلك أن جريمة القرصنة جريمة دولية وليست مجرد جريمة وطنية، حتى لو ارتكبت في البحر الإقليمي لدولة ما، فهي تُهدد الجماعة الدولية، ومن شأنها المساس بمصالحها، لهذا فإن الاتفاقية الدولية لقانون البحار عام 1982 تعطي الحق لأي دولة في ضرب أي سفينة قرصنة إذا وجدت في عرض البحر، أما إذا حدثت الجريمة في المياه الإقليمية لدولة ما فعلى هذه الدولة تحمل المسؤولية وتتولى تطبيق العقوبات المناسبة على القراصنة. الحقيقة أن تزايد عمليات القرصنة البحرية له انعكاسات اقتصادية مهمة، تتمثل فيما يُصيب الضحايا من أضرار وخسارة، خاصة عند الاستيلاء على ناقلات البترول، والبضائع التي تقدر قيمة ما تحمله من مواد بترولية بملايين الدولارات، فعلى سبيل المثال تقدر حمولة ناقلة البترول السعودية التي تم اختطافها أخيراً بـ 100 مليون دولار، وهذا من شأنه أن يؤثر في أسعار البترول. فانتشار عمليات القرصنة البحرية يؤدي إلى زيادة تكاليف التجارة الدولية؛ كما يُساعد على تمويل بعض الجماعات الإرهابية بالأموال التي يحصل عليها القراصنة إذا كانوا مرتبطين معهم من خلال الشبكات الإجرامية الإرهابية والمنظمة؛ بل إن الأموال التي يحصل عليها القراصنة يمكن أن توجه لتمويل الحروب والثورات المسلحة والجماعات الطائفية وغيرها، فقد أشار أخيرا التقرير الذي أعده مركز شاتام هاوس للدراسات في لندن، إلى أن أموال الفدية التي حصل عليها قراصنة الصومال خلال العام الحالي تراوح بين 18 و30 مليون دولار حتى الآن، تستخدم في تمويل الحرب في الصومال. كما أن انتشار تلك العمليات في منطقة السواحل الصومالية بالقرب من مدخل البحر الأحمر يمكن أن يدفع عديدا من البواخر إلى اللجوء إلى طرق أخرى بتغيير مسارها والسير عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهذا من شأنه أن يؤثر من ناحية، في اقتصادات الدول الواقعة على البحر الأحمر التي لها موانئ تجارية مهمة مثل اليمن، السعودية، الأردن، ومصر، بل إن أزمة القرصنة الصومالية يُمكن أن تهدد بشكل مباشر حركة الملاحة البحرية في قناة السويس كممر بحري استراتجي مهم، وبالتالي تؤثر سلباً في إيراداتها كمصدر أساسي من مصادر الدخل القومي المصري بعد هروب السفن العملاقة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، حيث إن 30 في المائة من سفن الدول العربية البترولية تمر عبر البحر الأحمر وقد تتعرض لخطر القرصنة البحرية. من ناحية أخرى، يترتب على تغيير معابر التجارة أن تضاف أسابيع لرحلات الشحنات، ومزيداً من كميات الطاقة المستخدمة في عمليات النقل، وهو ما يزيد من تكاليف وأعباء شحن البضائع والمنتجات. على ذلك فإن انتشار تلك العمليات في هذه المنطقة وغيرها، وتفاقمها، وعجز المجتمع الدولي عن مواجهتها من خلال الحزم والتضامن الجماعي الفاعل ستكون له آثار سلبية وخيمة على حركة التجارة الدولية بصفة عامة وفي المنطقة العربية والإفريقية بصفة خاصة، نظراً لتأثيرها في أسعار السلع والمنتجات، لأن حماية ناقلات البضائع العملاقة تقتضي تحمل تكلفة مادية إضافية على التكلفة الأساسية للنقل، ما يترتب عليه زيادة أسعار السلع والبضائع، فضلاً عن أن شركات التأمين ستزيد من قيمة التأمين على السفن والبضائع المُحملة بها، ما يؤدي إلى زيادة أخرى إضافية على أسعار تلك البضائع يتحملها في النهاية المستهلك. هناك جانب اقتصادي آخر مهم يتمثل فيما تتحمله الدولة الضحية أو شركات الملاحة التي تتبعها السفن المحتجزة من أموال جراء أعمال القرصنة لدفع فدية للقراصنة مقابل الإفراج عن السفن المحتجزة وما تحمله من بضائع؛ فقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن شركات الملاحة البحرية خسرت العام الماضي نحو 30 مليون دولار مقابل الإفراج عن السفن التي احتجزها القراصنة.

يسلمووووووووووووو

مجهود جبار ورائع لك شكرى

دمت بود

يسلمك ربي أخوي الافعوان

تحياتي

» الرأسمالية الاقتصادية تغرق في الانهيار بعد الاشتراكية الشيوعية
» الشرطي الذي يطبق القانون بالخروج عن القانون<<-Shaft->>[أكشن+جريمة]
» جميع كتب الشيخ محمد العريفي
» مجموعة قصص منوعه للشيخ / محمد العريفي