سليمان بن صالح الخراشي
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدوآله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإني لما رأيت كثرة أسئلة النساء عن أحوالهن في الجنة وماذا ينتظرهن فيها أحببتأن أجمع عدة فوائد تجلي هذا الموضوع لهن مع توثيق ذلك بالأدلة الصحيحة وأقوالالعلماء فأقول مستعينا بالله:
فائدة (1):
لا ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن في الجنة من الثواب وأنواع النعيم،لأن النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول اللهلم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابتهعن الجنة وما فيها ومن ذلك أنهم سألوه: ( الجنة وما بنائها؟ ) فقال: {لبنة من ذهب ولبنة من فضة...}إلى آخر الحديث. ومرة قالوا له: ( يارسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ ) فأخبرهم بحصول ذلك.
فائدة (2):
أن النفس البشرية – سواء كانت رجلا أو امرأة – تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وماحوته من أنواع الملذات وهذا حسن بشرط أن لا يصبح مجرد أماني باطلة دون أن نتبع ذلكبالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين: وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتمتعملون[الزخرف:72]. فشوّقوا النفس بأخبار الجنة وصدّقوا ذلك بالعمل.
فائدة (3):
أن الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قدأعدتللمتقين[آلعمران:133]، من الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه: ومن يعملمن الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة[النساء:124].
فائدة (4):
ينبغي للمرأة أن لا تشغل بالها بكثرة الأسئلة والتنقيب عن تفصيلات دخولها للجنة: ماذا سيعمل بها؟ أين ستذهب؟ إلى آخر أسئلتها.. وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة! ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بها.. ويتحولذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيها قوله تعالى عن الجنة: لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين[الحجر:48]، وقوله: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعينوأنتم فيها خالدون[الزخرف:71]. ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة: رضي اللهعنهم ورضوا عنه[المائدة:119].
فائدة (5):
عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلةوالمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين ( الذكر والأنثى ) فالجميع يستمتع بماسبق. ويتبقى: أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من ( الحور العين ) و ( النساء الجميلات ) ولم يرد مثل هذا للنساء.. فقد تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟
والجواب:
1- أن الله: لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون[الأنبياء:23]، ولكن لا حرج أننستفيد حكمة هذا العمل من النصوص الشرعية وأصول الاسلام فأقول:
2- أن من طبيعة النساء الحياء – كما هو معلوم – ولهذا فإن الله – عز وجل – لايشوقهن للجنة بما يستحين منه.
3- أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة – كما هو معلوم – ولهذا فإنالله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا لقوله: {ما تركت بعدي فتنة أضرعلى الرجال من النساء } [أخرجه البخاري] أما المرأة فشوقها إلىالزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال لأنه مما جبلت عليه كما قال تعالىأومن ينشأ في الحلية[الزخرف:18].
4- قال الشيخ ابن عثيمين: إنما ذكر – أي الله عز وجل – الزوجات للأزواج لأنالزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عنالأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج.. بل لهن أزواج من بني آدم.
فائدة (6):
المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1- إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2- إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3- إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة، والعياذ بالله.
4- إما أن تموت بعد زواجها.
5- إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6- إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1- فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله – عزوجل – في الجنة منرجل من أهل الدنيا لقوله: {ما في الجنة أع** } [أخرجهمسلم]، قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالىيزوجها ما تقر بها عينها في الجنة.. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنماهو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
2- ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3- ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة. قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذاكانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنةفهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال. أي فيتزوجها أحدهم.
4- وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنة – لزوجها الذي ماتت عنه.
5- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة لهفي الجنة.
6- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهماكثروا لقوله: {المرأة لآخر أزواجها } [سلسلة الأحاديثالصحيحة للألباني]. ولقول حذيفة – – لامرأته: ( إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجيبعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبيأن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ).
مسألة: قد يقول قائل: إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول ( وأبدلها زوجاخيرا من زوجها ) فإذا كانت متزوجة.. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها فيالدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين: "إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجهاالمقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منهفي الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلاويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت لك بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قولهتعالى: ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات[إبراهيم:48]، والأرض هي الأرضولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت".
فائدة (7):
ورد في الحديث الصحيح قولهللنساء: {إني رأيتكن أكثر أهلالنار...}وفي حديث آخر قال: {إن أقل ساكني الجنةالنساء } [أخرجه البخاري ومسلم]، وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجلمن أهل الدنيا ( زوجتان ) أي من نساء الدنيا. فاختلف العلماء – لأجل هذا – فيالتوفيق بين الأحاديث السابقة: أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فقال بعضهم: بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن. قالالقاضي عياض: ( النساء أكثر ولد آدم ). وقال بعضهم: بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة. وأنهن – أيضا – أكثرأهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة.
وقال آخرون: بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أنيخرجن من النار – أي المسلمات –قال القرطبي تعليقا على قوله: {رأيتكن أكثر أهل النار } : ( يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء فيالنار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر ).
الحاصل: أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار.
فائدة (
:
إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها لقوله: {إنالجنة لايدخلها عجوز.... إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا }.
فائدة (9):
ورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعافكثيرة نظرا لعبادتهن الله.
فائدة (10):
قال ابن القيم ( إن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها ) أي في الجنة.
وبعد: فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجالفي مقعدصدق عند مليك مقتدرفالله الله أن تضعن الفرصة فإن العمر عما قليل يرتحل ولا يبقى بعده إلاالخلود الدائم، فليكن خلودكن في الجنة – إن شاء الله – واعلمن أن الجنة مهرهاالإيمان والعمل الصالح وليس الأماني الباطلة مع التفريط وتذكرن قوله: {إذاصلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أيأبواب الجنة شئت }. واحذرن - كل الحذر – دعاة الفتنة ( وتدمير ) المرأة من الذين يودون إفسادكنوابتذلكن وصرفكن عن الفوز بنعيم الجنة. ولا تُغررن بعبارات وزخارف هؤلاء المتحررينوالمتحررات من الكتاب والكاتبات ومثلهم أصحاب ( القنوات ) فإنهم كما قال تعالى: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء.
أسأل الله أن يوفق نساء المسلمين للفوز بجنة النعيم وأن يجعلهن هاديات مهدياتوأن يصرف عنهن شياطين الأنس من دعاة وداعيات ( تدمير ) المرأة وإفسادها وصلى اللهعلى نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.